التخطي إلى المحتوى

«التقوى كما نعلم ليست للنار فقط، لكنها اتقاء لكل مشاكل الحياة»

يواصل الإمام الشعراوى خواطره حول قوله تعالى: «وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِى المسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ الله فَلاَ تَقْرَبُوهَا» قائلاً: معنى (الحد) هو الفاصل المانع من اختلاط شيء بشيء، وحدود الله هى محارمه. والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: «…ومَنْ وقع فى الشبهات وقع فى الحرام، كراع يرعى حول الحمى يوشك أن يواقعه، ألا إن لكل ملك حمى، ألا وإن حمى الله تعالى فى أرضه محارمه». إذن فالمحارم هى التى يضع الله لها حداً فلا نتعداه. ولنا أن نلحظ أنه ساعة ينهى الله عن شيء فهو يقول: «فَلاَ تَقْرَبُوهَا» وساعة يأمر بأمر يقول سبحانه: (فَلاَ تَعْتَدُوهَا). وفى ذلك رحمة من الله بك أيّها المكلف.

فلا تجعل امرأتك تأتيك وأنت فى معتكفك، فقد تكون جميلة، صحيح أنك لا تنوى أن تفعل أى شيء، لكن عليك ألا تقرب أسباب النواهي، ومثال ذلك تحريم الخمر، لقد أمر الحق باجتنابها أى ألا تقرب حتى مكان الخمر؛ لأن الاقتراب قد يُزين لك أمر احتسائها، إذن فلكى تمنع نفسك من تلك المحرمات فعليك ألا تقرب النواهي. وفى الأوامر عليك ألا تتعداها.

ويذيل الحق الآية بقوله: (كذلك يُبَيِّنُ الله آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ). والآيات هى العجائب، وكل آية هى شيء عجيب لافت، لذلك نقول: هذه آية فى الحسن، وتلك آية فى الجمال، وقد تُطلق الآية أيضاً على السمة؛ لأن السمة أو العلامة هى التى تلفتنا إلى الشيء، فيكون ما جاء بالآية داخلاً فى معنى قوله الحق: (تِلْكَ حُدُودُ الله فَلاَ تَقْرَبُوهَا كذلك يُبَيِّنُ الله آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ).

ولقد أوضحت هذه الآية والآيات السابقة عليها، تشريعات الصيام والاستثناء من التشريع. رفعاً للحظر ودفعاً للمشقة بعد أن تقع، وكل ذلك ليستوفى التشريع كل مطلوبات الله من المُشَرَّع له. حين يأخذ كل إنسان ذلك البيان الوافى من ربه ويسيطر به على حركة حياته فى ضوء منهج الله يكون قد اتقى.

والتقوى كما نعلم ليست للنار فقط، لكنها اتقاء لكل مشاكل الحياة؛ فالذى يجعل الحياة مليئة بالمشاكل هو أننا نأخذ بالقوانين التى نسنها لأنفسنا ونعمل بها، ولكن إذا أخذنا تقنين الله لنا فمعنى ذلك أننا نتقى المشاكل.

ولذلك يقول الحق: «وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِى فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكا» «طه: 124». أى أن حياته تمتلئ بالهموم والمشاكل، لأنه يخالف منهج الله. وإذا لم تنشأ المشاكل مع المخالفات لقال الناس: خالفنا منهج الله وفلحنا، لذلك كان لابد أن توجد المشاكل لتنبهنا أن منهج الله يجب أن يسيطر، وحين يتمسك الناس بمنهج الله، لن تأتى لهم المشاكل بإذن الله.

وانظر إلى دقة الأداء القرآنى فى ترتيب الأحكام بعضها على بعض، فالإنسان المخلوق لله فى الأرض المسخرة له بكل ما فيها، له حياة يجب أن يحافظ عليها. وتبقى الحياة ببقاء الرزق فى الاقتيات من مأكل ومشرب، وكذلك يبقى النوع الإنسانى بالتزاوج.. وتكلم الله فى رزق الاقتيات، فجعله للناس جميعاً عندما قال: (ياأيها الناس كُلُواْ مِمَّا فِى الأرض حَلاَلاً طَيِّباً) «البقرة: 168».

وتكلم سبحانه مخاطباً المؤمنين فى شأن هذا الرزق، فقال: (ياأيها الذين آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ) «البقرة: 172».
وبعد ذلك شاء الله أن يديم على المؤمنين به قضية التكليف فحرَّم عليهم الطعام والشراب والنكاح فى أيام رمضان، وهى حلال فى غير رمضان، وأحلها الله فى ليل رمضان.

وإذا كان قد أرشد أن كل حركة فى الحياة هدفها بقاء الحياة، وإذا كان بناء الحياة يتوقف على الطعام؛ وهو أمر ضرورى لكل إنسان، وإذا كانت الحياة تمتد وتتوالى باستبقاء النوع، فيبلغ الرجل وينضج ويصير أهلاً للإخصاب، وتبلغ المرأة وتنضج وتصير أهلاً للحمل، فإذا كانت كل المسائل السابقة لازمة للجميع، فلابد من تشريع ينظم كل ذلك.

إن التشريع يسمح لك أن تأكل مما تملك، أو تأكل مما لا مالك له، كنبات الأرض غير المملوكة لأحد، إلا أنك قبل أن تأكل لابد أن تنظر فى الطعام لتعرف هل هو مما أحل الله أم لا؟ والتشريع لا يسمح لك أن تأكل من نبات الأرض المملوك لغيرك، ويحرم عليك أن تصطاد حيوانات مملوكة لغيرك، فالتشريع يحترم الجهد الذى تحرك به مالك الأرض ليزرع النبات أو ليُربىَ الحيوان، فلا تقل: إن ذلك النبات فى الأرض وأنا آكل منه، أو أن ذلك حيوان موجود أمامى وأنا اصطدته.

اقرأ ايضا

 صوت من السماء| الشيخ عبدالعظيم زاهر صاحب البصمة المتميزة

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.